*من الذي أشعل الكبريت؟*
د. عارف الحوشبي
في صباح الأمس (26 أبريل)، استيقظ ميناء رجائي، الذي يُعد واحدًا من أهم شرايين التجارة البحرية الإيران...
في صباح الأمس (26 أبريل)، استيقظ ميناء رجائي، الذي يُعد واحدًا من أهم شرايين التجارة البحرية الإيرانية، على وقع انفجارات ضخمة أعادت إلى الأذهان مشاهد الحرب الصامتة التي تخوضها طهران في الخفاء. وبينما سارعت السلطات الإيرانية إلى الحديث عن "حادث عرضي" ناتج عن انفجار حاويات تحوي مادة الكبريت، تساءل الجميع: من الذي أشعل الكبريت في إيران؟
انتشرت مشاهد اللهب ورائحة الشك من خلال صور أولية بثتها وكالات أنباء وشهود عيان، أظهرت ألسنة لهب تتصاعد من ساحات التخزين، أعقبها سلسلة من الانفجارات العنيفة التي هزّت محيط الميناء. وأكدت التقارير وقوع أضرار كبيرة، وامتدت المخاوف إلى تأثر حركة الملاحة البحرية في مضيق هرمز القريب.
التفسير الرسمي الأولي تحدّث عن حريق ناتج عن خلل فني في التعامل مع مادة الكبريت، إلا أن حجم الدمار وشدة الانفجارات دفعا مراقبين دوليين إلى التشكيك في الرواية الرسمية، وربما تكشف الأيام القادمة أمورًا جديدة.
تدور الشبهات حول ما إذا كان الانفجار عملاً مدبرًا أم حادثًا عرضيًا، حيث لا يمكن فصل ما جرى في ميناء رجائي عن السياق الإقليمي المتوتر. فإسرائيل، التي تخوض مع إيران (ولو ظاهريًا) صراعًا مفتوحًا على أكثر من جبهة، كانت قد تبنّت خلال السنوات الماضية عمليات تخريب ذكي ضد منشآت نووية وموانئ وسفن.
محللون سياسيون وعسكريون تحدّثوا عن احتمال كبير لوجود يدٍ خفية قد خططت بعناية لاستهداف الميناء في هذا التوقيت الحساس، ضمن سلسلة ضربات تهدف إلى تقويض القوة الاقتصادية الإيرانية.
ويُذكر أن انفجار ميناء رجائي جاء بعد أيام فقط من تصاعد التوترات البحرية في الخليج، وتصريحات إسرائيلية وأمريكية متزايدة حول ضرورة ردع إيران برًا وبحرًا. وقد تكون الرسالة من وراء استهداف الميناء (إن صحّت فرضية العمل المدبّر) واضحة: الممرات التجارية الإيرانية ليست بمنأى عن النيران التي تشعلها إيران هنا وهناك.
تداعيات ما بعد الانفجار قد تكون متعددة، فعلى سبيل المثال:
* اقتصاديًا: قد تواجه طهران تحديات جسيمة في عمليات تصدير واستيراد البضائع، مع توقعات بارتفاع تكاليف الشحن والتأمين.
* أمنيًا: قد تجد إيران نفسها مضطرة للرد إذا ثبت أن التفجير تقف خلفه دول، مما قد يفتح الباب أمام تصعيد عسكري في أكثر ممرات العالم حساسية.
وفي النهاية نكرّر السؤال: من الذي أشعل الكبريت؟
تبدو الإجابة المؤكدة عليه صعبة حاليًا؛ ففي مشهد معقد تختلط فيه الحقائق بالإشارات الغامضة، يبقى السؤال معلقًا بسؤال آخر:
هل كان الانفجار نتيجة خطأ عرضي؟ أم أن هناك من خطط لإشعال الحريق الكبير في قلب الاقتصاد الإيراني؟
وحتى تتكشف الحقائق، سيظل ميناء رجائي يحترق تحت وطأة التكهنات... والكبريت قد يشتعل مرة أخرى عبر يدٍ تملك إشعال المزيد.