*عن واقع الصحافة والصحفيين في اليمن*

قاد الانقلاب الحوثي والحرب المستمرة منذ عقد من الزمن إلى واقع بائس شمل مختلف مجالات الحياة، وفي القلب منه الصحافة التي انشطرت بين الداخل والخارج. غير أن ما يعنينا هنا هو الصحافة والصحفيون داخل اليمن، في مناطق الحوثيين كما في مناطق الحكومة الشرعية وحلفائها.

ومنذ اندلاع الحرب ضاقت الخيارات أمام الصحفيين، فوجدوا أنفسهم في الغالب أمام معادلة قاسية: إما القبول بخطاب السلطة القائمة والانحناء لإملاءاتها، أو مواجهة القمع والمنع وربما الموت. وهكذا تحولت حرية الرأي والتعبير إلى رفاهية مفقودة، والحق في الحياة إلى ثمن باهظ يدفعه الصحفي مقابل كلمة أو موقف.

ولا يصح وضع جميع السلطات في سلة واحدة، فالسلطة التي فرضت نفسها بانقلاب طائفي مسلح لا يمكن مقارنتها بسلطات محلية وأمنية رغم قصورها وأخطائها، إلا أنها تبقى – ولو بحدود ضيقة – أكثر تمثيلاً للناس وأقرب إلى واقعهم. ومع ذلك يبقى القاسم المشترك بين الجميع هو تقييد الصحافة، كلٌّ على طريقته.

في كل سلطة هامشٌ من الحرية وسقفٌ لا يُسمح بتجاوزه، يختلف من منطقة إلى أخرى، غير أن ما يوحّد جميع السلطات هو السعي إلى استقطاب الصحفيين وتوظيفهم. فمنهم من وجد نفسه مندمجاً عضوياً في خطاب السلطة، وتحول إلى ذراع دعائية تنطق بلسانها مقابل امتيازات وصلاحيات واسعة، وبعضهم تجاوز دوره الصحفي ليصبح صاحب سلطة وقوة مسلحة، اقتحم بها مؤسسات إعلامية، وفرض وصايته على المهنة، مانحاً التراخيص أو مانعاً لها، وفقاً لمزاجه وانتمائه الجغرافي. وفي المقابل ارتبط آخرون بمؤسسات إعلامية خارجية، فأصبحوا مرتهنين لسياساتها، مع ضرورة الموازنة والتوفيق بين ظروف مناطق إقامتهم ومطالب مشغّليهم.

أما أولئك الذين لم ينخرطوا في منظومات السلطة، ولا التحقوا بمؤسسات الخارج، فقد وجدوا أنفسهم في الهامش الضيق: رواتب هزيلة لا تكفي للعيش، أو بطالة مقنعة لا تعفيهم من المخاطر، مع ملاحظة أن الصحفي المسجل لدى الجيش أو الأمن في بعض المناطق براتب بالكاد يصل إلى 100 دولار، يحصل عليه كل ثلاثة أو أربعة أشهر، لا يمكن اعتباره جزءاً من سلطة الأمر الواقع، لأن مبلغاً تافهاً كهذا لا يصلح اعتباره مصدراً للعيش، فيما يتقاضى بعض التابعين لسلطات الأمر الواقع آلاف الدولارات قبل أن يصل الصحفي المسجل في الجيش إلى الراتب الشهري.

وعلى امتداد سنوات الحرب، دفع الصحفيون أثماناً فادحة: مئات الانتهاكات التي تراوحت بين القتل والاختطاف والتعذيب والمنع من العمل، ولم يعرف تاريخ اليمن الحديث زمناً كان الصحفي فيه أكثر عرضة للخطر من هذا العقد الأسود، ومع كل جريمة تتعالى أصوات التضامن في الخارج وهو أمر محمود، لكن المشكلة أن كثيراً من هذه الأصوات توظف المأساة لتصفية الحسابات وتسجيل النقاط، فيتحول الصحفي الضحية إلى مجرد أداة في لعبة الصراع.

في المحصلة، يعيش الصحفي اليمني اليوم أسوأ حقبة في تاريخ المهنة. فمن لم يبع قلمه أو يؤجر نفسه، صار بلا حماية ولا سند، تحاصره الانتهاكات من كل الجهات والاتجاهات، والصحافة التي كان يُفترض أن تكون صوت الناس، تحولت في معظمها إلى صدى للسلطة أو لأجندات الخارج، فيما ضاعت الرسالة النبيلة بين فوهات البنادق وصناديق التمويل.

وأصبح اليمن بلا صحافة حرة، والصحفيون بلا حماية؛ وما تبقى من أصوات مخلصة تقاوم الانكسار وتصر على حمل رسالة الحقيقة، تكافح مكشوفة الظهر وخائرة القوى، لأن المعركة أكبر منها والخصوم أشد بأساً وأكثر نفيراً.

مقالات الكاتب