بعبع الحوثية وسلاح النفط !!
محمد علي محسن
فريق الخبراء في تقريره إلى مجلس الأمن ، صور الجماعة الحوثية وكأنها دولة مارقة لديها كل القدرات العسك...
في الوقت الذي كانت فيه جماهير الأمة، ومعها أحرار العالم، يحتفلون بالمقاومة البطولية التي أبداها الفلسطينيون في مواجهة الاحتلال الصهيوني؛ إن كان في القدس والضفة الغربية ومناطق 48، أم في قطاع غزة الذي أوجع الاحتلال؛ ليس بصواريخه وحسب، بل قبل ذلك والأهم، بإصراره على ربط مقاومته بما يجري في القدس، وتأكيد وحدة الشعب في المواجهة.. في هذا الوقت بالذات، كان قلة من الناس ينسون ذلك، ويخرّبون العرس (إذا جاز التعبير) بهجاء “حماس” وشتمها بسبب تصريحات تتعلق بإيران صدرت من بعض قياداتها.
بعضهم فعل ذلك قبل أن تصدر التصريحات، وفي خضم المعركة؛ عبر اعتباره “حماس” تابعة لإيران، ورفضه الانضمام لجماهير الأمة في نصرتها، فيما فعل البعض ذلك بعد صدور تصريحات؛ بعضها عادي، وبعضها إشكالي من قادة في “حماس”، ولن ندخل في النوايا، لأن من فعلوا ذلك ليسوا سواءً بكل تأكيد.
نشير هنا إلى أن أحدا لا يتوقف عند تصريحات قادة حركة الجهاد، ولا لمواقفهم، رغم أنها ممولة بالكامل من إيران، ورغم أن زعيم الحركة الجديد (زياد نخالة) يختلف كثيرا عن الراحل (رمضان شلح) في تماهيه مع إيران، وصولا إلى مشاركته في لقاء بشار بعد المعركة الأخيرة.
لم يكن هذا الجانب أعلاه هو الذي استدعى هذه السطور، رغم أهميته الكبيرة، فقد سبق أن تطرّقنا إليه في سياقات سابقة، عبر مقالات أو تغريدات تهاجم تصريحات لبعض قادة “حماس”؛ رأينا أنها تتجاوز منطق الشكر العادي لإيران، إلى “الابتذال” الذي يستفزّ الغالبية الساحقة من جماهير الأمّة التي تابعت وما زالت تتابع عدوان إيران في سوريا (المجزرة الأكبر)، وفي اليمن والعراق.
ما استدعاها أكثر من ذلك، هو الخطاب الموغل في التباهي الذي تبناه عناصر المحور الإيراني، وأبواقهم في الإعلام ومواقع التواصل، والذي كان ينسب الانتصار الذي حققته المقاومة في غزة إلى إيران، كأنها هي التي قاتلت وهي التي انتصرت، ولم تكن “حماس”، ومن معها سوى “كومبارس” في المشهد، فلا تكاد تكتب تغريدة عن الانتصار، حتى يطلّ عليك متسائلين عن الصواريخ ومن أين جاءت، كأنما يطلبون منك إقرارا بأن كل شيء يعود لإيران، ولولاها، لما كانت هناك مقاومة من الأصل.
وللتذكير، فهؤلاء أنفسهم هم من نزعوا عن “حماس” صفة المقاومة، حين انحازت للشعب السوري في مواجهته مع نظام القتل، وخرجت من سوريا تبعا لذلك.
لا يحدث ذلك عبثا بالطبع، إذ “يكاد المريب أن يقول خذوني”، فهؤلاء، وهم بين مذهبيين وطائفيين ومؤدلجين وحزبيين، و”كائنات سياسة”؛ يدركون أن الغالبية الساحقة من الأمّة، ومن ضمنها أهل فلسطين في الداخل والشتات، في حالة تناقض مع إيران بسبب عدوانها في سوريا واليمن والعراق، فيما هم يريدون أن يغسلوها من كل ذلك عبر نسبة المقاومة في فلسطين إليها، مستغلّين قداسة القضية ومركزيتها، مع أنها في الأصل جزء من الدعاية لمشروع التمدد المذهبي.
في هذا الجزء من المعضلة ينبغي القول إن الشعب الفلسطيني لم يبدأ مقاومته منذ عقد أو عقدين أو بعد ثورة إيران، فهو يقاوم منذ مئة عام.
كما أن “حماس” قاومت، وسجّلت أروع البطولات قبل أن تقدّم لها إيران شيئا يذكر على صعيد المال والسلاح، وكل ذلك بفضل العزيمة والإصرار.
وإذا جئنا نؤرخ للنقلة المهمة في الدعم، فهي التي جاءت بعد الانسحاب الصهيوني من القطاع في 2005، ثم بعد الحسم العسكري في 2007.
ولكي يوضع الدعم في سياقه الصحيح، فإن خطاب إيران ومحورها يكاد يلغي كل شيء ما عداها، مع أن الأمر ليس كذلك بحال، فدعم الآخرين المالي يتحوّل إلى قدرات عسكرية، إن كان رسميا كما هو حال قطر وتركيا وسواهما، أم كان من أبناء الأمّة الذي ذكرهم يحيى السنوار في خطابه الأخير، والذين كانوا أساس تمويل الحركة منذ نشأتها.
خطاب إيران وحلفها تجاهل أن هنا بطولات وإرادة صنعت وطوّرت السلاح. كما أن أهمية الدعم الإيراني التسليحي، لا تحذف المصادر الأخرى، مثل ليبيا بعد الثورة، ومن سوريا (بعد الثورة أيضا)، ومن السودان ومن دول أخرى، وإلا، فهل قتل محمود المبحوح، وهو يتواصل مع إيران لأجل الدعم، أم لأنه كان يتواصل مع مصادر أخرى؟!
الخبراء الصهاينة أقرّوا بأن معظم صواريخ “حماس” بعد مجيء النظام الجديد في مصر هي من صناعة ذاتية، بعد إغلاق ممرات التهريب، وهؤلاء لا يقولون ذلك لكي يهمّشوا دور إيران، بل تحريضا على الحركة كي تُمنع عنها أموال إعادة الإعمار.
أيا يكن الأمر، فإن نسبة الانتصار لإيران، وتجاهل من وصلوا الليل بالنهار، وقدموا جحافل الشهداء، وصنعوا وطوّروا هو عمل معيب، لا يقوم به سوى مأزوم يريد أن يغسل عارا آخر، مع أن ذلك لن يحدث، لأن هناك إجراما لا يمكن غسله، فضلا عن تكون أداة الغسيل غير بريئة أصلا.
في سياق آخر، لا ينبغي التوقف كثيرا عند من يرفضون أي علاقة بين “حماس” وإيران، فهؤلاء أقلية هامشية، ويصبحون أكثر هامشية حين يتجاهلون حصار بعض أنظمة العرب للحركة، وعدم توفّر بديل لها، وما يعنينا هم أولئك الذين يعترضون على بعض التصريحات.
لا وجود لحركة ثورية لا تبحث عن دعم خارجي، خصوصا إذا أصرّت على الاستقلالية، وهذا حال حماس. وفي سوريا طالب كثيرون بتدخل عسكري أمريكي، وأمريكا أسوأ من إيران في الإجرام بحق الأمّة (وهي سبب في معاناة السوريين أيضا بانحيازها كما الصهاينة لإطالة النزيف مع الإبقاء على النظام)، وحدث تدخل غربي في ليبيا صمت عنه الناس، تبعا لإجرام القذافي، وحصل الثوار الأفغان على دعم أمريكي أيضا، والأمثلة لا تحصى، بما في ذلك تعاون “القاعدة” مع إيران في وقت من الأوقات.
هنا نقول إن الشكر على الدعم أمر عادي، لا سيما حين يأتي مع شكر آخرين، ولكن على قادة حماس أن ينتقوا كلماتهم بعناية في هذا السياق، ولا ينسوا أن الحفاظ على حاضنة الأمّة، ليس بالأمر الهامشي (مع مراعاة دول داعمة أخرى)، وأنها هي التي ستبقى أساس الدعم، وهي الأهم، ولا بأس من التذكير بأن تلقي الدعم من أي جهة (إيران أو سواها) لا يعني الاتفاق معها على كل شيء، وهذا صحيح، بدليل خروج حماس من سوريا إكراما للشعب، وبدليل تأييدها لـ”عاصفة الحزم” في اليمن، وضد تابع لإيران (الحوثي)، رغم أن التدخل في شؤون الآخرين ليس واجبها، ويكفيها أن تكون على ثغرة كبيرة في فلسطين.
هذه السطور هي من باب النصيحة الضرورية لمن يحملون راية القضية المركزية للأمّة، وإن كانت ردا على طرفين متناقضين أيضا. وعلى الله قصد السبيل.