تقارير
عملية استعادة اليتمة الخاطفة.. تحرير أم دفاع عن حدود السعودية؟
لم تكن أصداء سقوط منطقة اليتمة بمحافظة الجوف شمالي اليمن، في يد جماعة الحوثي قد بلغت مسامع النخب المحلية، حتى أطلقت القوات الحكومية عملية عسكرية واسعة وخاطفة لاستعادتها.
فبعد ساعات قليلة من سقوط اليتمة الواقعة بالقرب من الشريط الحدودي
للسعودية في أيدي الحوثيين، نجحت قوات عسكرية يمنية، مسنودة بالمئات من
المسلحين القبليين، وبمشاركة واسعة لمقاتلات التحالف العربي، من استعادة
المنطقة ودحر الحوثيين.
مصدر عسكري في المنطقة السادسة بالجوف، أوضح للأناضول أن القوات الحكومية استعادت زمام المبادرة شمال شرق الجوف، بفضل الأسلحة التي تدفقت من السعودية "والغارات المركزة" على تجمعات الحوثيين في مناطق متفرقة من مديرية "خب الشغف" المحاذية للسعودية (تقع اليتمة في نطاقها).
وأضاف أن مقاتلات التحالف مهدت للعملية في منطقة اليتمة بنحو 15 غارة جوية
مركزة ومتلاحقة على طلائع المسلحين الحوثيين، الأمر الذي سهل عملية
استعادتها في غضون ساعات.
ولاقت العملية تأييدا على نطاق واسع من اليمنيين عبر مواقع التواصل
الاجتماعي، ممن عبروا عن مساندتهم للجيش، في محاولة للخروج من حالة الصدمة
بعد الانتكاسة التي تعرضت لها القوات الحكومية بخسارتها مدينة الحزم مركز
محافظة الجوف، إضافة إلى مساحات واسعة من مديرية نهم التي تعرف بأنها
البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء.
ما الذي يمنع عمليات مماثلة؟
وفي زحمة الفرحة لمؤيدي الحكومة الشرعية بالتقدم المحرز شمال محافظة الجوف،
تضاءلت فرص السؤال عن السبب الذي يجعل من التحالف الذي تقوده السعودية
يحجم عن القيام بعملية مماثلة لاستعادة "فرضة نهم" التابعة لمحافظة صنعاء،
والتي سقطت في يد جماعة الحوثي أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي.
وفضلا عن الأهمية الاستراتيجية التي تشكلها مديرية نهم في موازين المعادلة
العسكرية، والتي تفوق بأضعاف أهمية مناطق اليتمة في الجوف بالنسبة للحكومة
اليمنية، فإن عملية استعادتها تتصل بجوهر الأهداف والغايات الكبرى للمعركة
التي تخوضها الحكومة ضد جماعة الحوثي.
فمديرية نهم إضافة لكونها نافذة الجيش اليمني للزحف نحو صنعاء، واستعادتها
من جماعة الحوثي؛ فهي أيضا تمثل خط الدفاع الأول عن معاقل الحكومة الشرعية
في محافظتي مأرب، والجوف، وبخسارتها أواخر يناير الماضي ، تلقت الحكومة
المعترف بها دوليا واحدة من أقوى الضربات منذ اندلاع النزاع مطلع 2015.
ومعظم جبهات القتال في محافظات تعز والضالع والبيضاء ومأرب تعيش، منذ نحو
عامين، حالة من الجمود، نتيجة شحّ الإمكانات والنقص الحاد في العتاد
العسكري، ما جعل القوات الحكومية تصرف النظر عن التقدم واستعادة المزيد من
الأرض، والاكتفاء بوضعية "الدفاع" لصد هجمات المسلحين الحوثيين.
هذه المعطيات تضاعف من الشكوك حول الغاية من التحالف، مثلما توسع القناعة
في الأوساط اليمنية بوجود أجندات ظلت تقف حائلا دون استعادة المناطق والمدن
اليمنية من أيدي الحوثيين.
مستشار الرئيس اليمني أحمد عبيد بن دغر أقر، الجمعة الماضية، بفشل التحالف والحكومة في إدارة المعركة مع الحوثيين.
وحذر بن دغر، في تدوينة عبر "فيسبوك"، "من تلقي التحالف والحكومة هزيمة تاريخية نكراء".
وأشار إلى أن الحوثيين حصلوا على وسائل وعوامل القوة التي تتيح لهم التقدم،
فيما تسبب التحالف بخلق انقسامات وعداء في اليمن، في إصرار عجيب على إهداء
النصر للحوثيين وإيران في المواجهة التي وصفها بأنها "تاريخية".
دفاع عن حدود السعودية؟
بإطالة أمد الحرب، وتجميد معظم جبهات القتال في البلاد، بدأ اليمنيون
يطرحون الأسئلة حول الغاية من عدم حسم المعركة مع جماعة الحوثي التي تسيطر
على صنعاء ومراكز الثقل البشري شمالي اليمن.
غير أن انقلاب عدن (العاصمة المؤقتة) الذي دبرته الإمارات على الحكومة،
مطلع أغسطس الماضي، وسقوط مناطق ذات أهمية استراتيجية شمال وشرق اليمن
(فرضة نهم، والحزم عاصمة الجوف) في يد جماعة الحوثي، دفع إلى السطح اتهامات
للتحالف العربي، ظلت حبيسة الغرف المغلقة. اتهامات بالانحراف عن مهمته
الأساسية في دحر الحوثيين واستعادة الدولة اليمنية، نحو استراتيجية تضع
"الدفاع عن حدود السعودية" في أعلى هرم أولوياتها، إضافة لبروز أطماع
اقتصادية وسياسية لدول التحالف، تكشفت أكثر من خلال الدور الإماراتي جنوب
اليمن وغربه.
الكاتب اليمني يعقوب العتواني أوضح للأناضول أن "مشاركة واندفاع القيادة
العسكرية والانخراط الواسع لمسلحي القبائل في عملية استعادة منطقة اليتمة
الحدودية ينطلق من إيمان حقيقي بمعركة استعادة الدولة اليمنية، إضافة إلى
شعورهم بالحاجة لتطهير مناطقهم من التواجد الحوثي الذي لا ينسجم مع أفكار
ومواقف وقناعات هذه القبائل.. وذلك بعيدا عن أهداف وغايات السعودية من
العملية".
وأضاف أن "جوهر المشكلة يعود إلى غياب الرؤية لدى السعودية في إدراك طبيعة
وحجم التهديد الذي تواجهه من جماعة الحوثي، الذراع الإيراني في اليمن، ففي
حين كان يفترض أن تتعامل السعودية مع النفوذ الإيراني باعتباره خطرا عليها
على امتداد المساحة اليمنية، وجدناها بعد خمسة أعوام تكتفي بدعم عمليات
صغيرة على الشريط الحدودي لتفادي وقوعه تحت سيطرة الحوثيين المدعومين من
إيران".