تقارير
ما مدى جدية الإصلاح في الانسحاب من مجلس القيادة والحكومة؟ وما هي خياراته؟ تقرير خاص
يمثل التجمع اليمني للإصلاح أبرز الأحزاب اليمنية التي حافظت على تماسكها، ووحدة صفها رغم حالة الاحتقان داخل صفوف الحزب نتيجة توقف مؤتمراته العامة، وغياب مبدأ التداول للمناصب القيادية، إلى جانب تأثيرات الصراع العسكري الذي يعد الإصلاح أبرز أطرافه التي تنضوي تحت مظلة الشرعية.
وخلال السنوات الماضية مثّل حزب الإصلاح الرافعة السياسية الأهم لشرعية الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، وحظي بعلاقة مميزة مع سلطة الرئيس السابق هادي ونائبه علي محسن، إلا أن الأمر تغير بعد تنازل الرئيس هادي عن صلاحياته، لمجلس قيادي برئاسة رشاد العليمي، حيث أصدر المجلس عددا من القرارات ، بإقالة عدد من القيادات العسكرية ومسئولين في السلك القضائي والمدني، من المحسوبين على حزب الإصلاح، وتعيين شخصيات أخرى تابعة للانتقالي والمؤتمر الشعبي جناح العميد أحمد علي.
ولكن الحدث الأهم الذي قصم ظهر الحزب، وأثار حفيظته، واستدعاه لإصدار بيان رسمي يهدد من خلاله بالانسحاب من الحكومة والمجلس القيادي، وسحب تأييده لحرب التحالف السعودي الإماراتي، هو معركة شبوة التي انتهت بسيطرة قوات العمالقة ودفاع شبوة المدعومتان من الإمارات على مدينة عتق وهزيمة القوات الحكومية الموالية للحزب.
وبعد خسارة الحزب لعاصمة محافظة شبوة النفطية، وتصاعد مطالبات الموالين للإمارات، بحظر الحزب ومنعه من ممارسة أي أنشطة حزبية في المحافظات الخاضعة لسيطرة السعودية والإمارات، أصبح الحزب أمام خيارات صعبة، فإما أن يستسلم لقرارات إقصائه من السلطة وتسليم القرار لدولتي التحالف، أو إعلان المواجهة والتمرد على الدولتين وبالتالي يدخل في معركة مباشرة مع الدولتين ومع حلفائهن في الانتقالي وقوات العميد طارق صالح، وهو ما يجعله عرضة لقصف طائرات السعودية والإمارات كما حصل للقوات الموالية له في شبوة قبل أيام...وهذا يجعلنا نسأل ما هي إمكانية الحزب وقدرته على الصمود ومواجهة دولتي التحالف والقوات المحلية التابعة له ؟
خيارات الإصلاح
قبل أن نتحدث عن قدرة الإصلاح لمواجهة حرب عسكرية تقودها دولتي التحالف، نبحث أولا الخيارات المتاحة لحزب الإصلاح، وما الذي يمكنه فعله لمواجهة قرار التخلص منه وإقصاء الموالين له؟
فخيارات حزب الإصلاح تضيق يوما عن يوم بعد أن أصبح كرتا محروقا بالنسبة للسعودية، التي كانت تتبنى الحزب باعتباره وكيلها المحلي ، واستخدمته خلال سنوات الحرب الثمان لتمرير مخططاتها وتنفيذ أجندتها السياسية والعسكرية، فقد أصبح الحزب أمام خيارات كلها صعبة ومكلفة، وقد تجعله عرضة لحرب الإمارات، وربما السعودية والإمارات معا.
ولعل أبرز الخيارات المطروحة أمام حزب الإصلاح هي الاستمرار في الشراكة الشكلية مع المكونات الموالية لدولتي التحالف، والقبول بمناصب شكلية، والانحناء لعاصفة الإمارات، وانتظار معجزة ربانية، وهذا الخيار يتطلب من الإصلاح الموافقة على تسليم إدارة المحافظات الشمالية للعميد طارق صالح، والمحافظات الجنوبية للانتقالي، والحد من سلطة الجيش والأمن لصالح قوات غير نظامية تخضع في قرارها للإمارات والسعودية.
والخيار الآخر المطروح أمام الإصلاح، هو الخروج من عباءة التحالف ومواجهة هيمنته على القرار والثروة والأرض اليمنية، وفي هذه الحالة يحتاج إلى غطاء إقليمي أو دولي، وهذا الأمر يبدو بعيد المنال بعد المصالحة الخليجية - الخليجية والتقارب السعودي الإماراتي مع تركيا، وغياب أي دور روسي أو صيني في اليمن، على الأقل حتى هذه اللحظة.
حتى قطر التي يرى مراقبون أنها خيار حزب الإصلاح بعد تخلي السعودية عنه، لم تعد مستعدة لدعمه، بعد أن اصطف الإصلاح إلى جانب دول الحصار(السعودية – مصر – الإمارات – البحرين)، حيث فضل حزب الإصلاح الانحياز لمواقف السعودية، والإصطفاف إلى جانبها،حيث وصل الحد بموقف الإصلاح المنحاز للموقف السعودي إلى فصل عددا من نشطائه الذين انحازوا لقطر كـ النوبلية توكل كرمان والصحفي رداد السلامي .
والخيار الثالث أمام الحزب هو التحالف مع الحوثي ودخول المعركة في جبهة موحدة مع الجماعة الحوثية، لكن هذا الخيار يحتمل مخاطر كبيرة، خصوصا والإصلاح اليوم ليس بأفضل حالاته، مقابل وضع أفضل لجماعة الحوثي التي فرضت موقعها بقوة السلاح، وتمكنت من فرض خياراتها بعد نجاحها في إدخال المدن السعودية والإماراتية تحت دائرة القصف، إلى جانب أن مصير الرئيس السابق علي صالح الذي تحالف مع جماعة الحوثي، سيكون ماثلا أمام حزب الإصلاح إذا قرر التحالف مع جماعة الحوثي.
امكانيات الحزب لمواجهة الدولتين
رغم محدودية الخيارات المتاحة أمام الإصلاح إلا أنه لا يزال يمتلك أوراق قوية، يستطيع من خلالها الإضرار بسلطة الدولتين، واسقاط مشروعيتها السياسية، خصوصا ونحن أمام مجلس قيادي يستمد مشروعية قراراته من إجماع أعضائه، وانسحاب عضو من أعضائه أو عضوين يجعله فاقدا للمشروعية أمام المجتمع الدولي، لأن إعلان نقل السلطة نص على أن آلية اعتماد القرارات تكون بإجماع كامل أعضاء المجلس وليس بالأغلبية.
وإلى جانب ذلك فالإصلاح يراهن على قوات الجيش في المهرة وسيئون ومأرب، وهذه المحافظات فيها قوات عسكرية كبيرة إلى جانب أن القوات العسكرية في المهرة وسيئون هي قوات عسكرية مدربة باحترافية وعمرها بعمر الجمهورية اليمنية، وليست وليدة عاصفة الحزم كغيرها من القوات التي تشكلت بعد عاصفة الحزم ، كما هو حال القوات في مأرب وشبوة وعدن وتعز والمكلا وباقي المحافظات التي تخضع لسيطرة التحالف.
وللإصلاح حضور جماهيري كبير على امتداد الجغرافيا اليمنية، إلى جانب تماسكه التنظيمي، وقضية الوحدة التي يمكنه من خلالها تجميع الرأي العام لصالحه ، على الأقل في المحافظات الشمالية، ذي الكثافة السكانية، وهي القضية نفسها الذي استفاد منها الحوثي في حربه مع التحالف السعودي الإماراتي.
دول يراهن عليها الإصلاح
يرى مراقبون أن الإصلاح يراهن على جمهورية الصين الشعبية وسلطنة عمان التي تخوض حرب باردة مع دولتي التحالف في محافظة المهرة، المحادة للسلطنة، .. فحزب الإصلاح يتمتع بعلاقة مميزة مع جمهورية الصين الشعبية، وقد برز ذلك من اهتمام السفير الصيني طوال السنوات الماضية بعقد لقاءات شبه دورية مع قيادات الحزب وناشطيه، وتبادل التهاني بين حزب الإصلاح والحزب الشيوعي الصيني، في مناسبات وطنية وحزبية عديدة.
وللصين مصالح مهمة في اليمن، تتمثل بمشروعها خط الحرير الصيني الذي يربط طرق التجارية ببعضها، وميناء عدن أحد محطاته، حيث تحظى الصين باتفاقية رسمية مع الحكومة اليمنية، لتطوير وإدارة ميناء عدن، والذي تم توقيعها في العام 2013 مع الرئيس هادي، وقد كانت هذه الاتفاقية نتاج جهود إصلاحية تمكنت من خلالها بإقناع رئيس الجمهورية حينها عبدربه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني، وهذه الاتفاقية هي عنوان التقارب بين الإصلاح وجمهورية الصين الشعبية، وهي الاتفاقية التي أثارت حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، ودفعت بالدولتين لرفع الغطاء عن الإصلاح ودعم خصومة، ولعل معركة شبوة هي أبرز تجليات الموقف الأمريكي البريطاني الجديد.
أما سلطنة عمان فيراهن عليها الإصلاح بحكم علاقتها المتوترة مع دولتي التحالف ومخططاتها لتحويل محافظة المهرة إلى قاعدة متقدمة لتهديد السلطنة، وخلال السنوات الماضية قامت السلطنة باستقطاب قيادات ومسئولين يمنيين، كالميسري والجبواني ولجنة اعتصام المهرة، ومشايخ ورموز قبلية أخرى، ومولت إطلاق قناة تحمل اسم المهرية، والتي يديرها مستشار وزير الإعلام مختار الرحبي.
مخاطر الخروج من عباءة التحالف
أمام الإصلاح كثير من العقبات والمخاطر التي تهدد كيانه، في حال قرر الخروج من عباءة التحالف ولعلنا نجمل أبرزها في العرض التالي:
- عدم قدرة حزب الإصلاح على الصمود منفردا أمام قوات محلية تابعة للتحالف، مدعومة بغطاء من الطيران الحربي، ومعززة بمنظومات الدفاع الجوي والمضادة للدروع.
- موقف كهذا قد يجعل أنصار الحزب في المحافظات الخاضعة لسيطرة التحالف عرضة للانتقام السياسي، والملاحقة السياسية، كما دفع أنصاره خلال السنوات الماضية الثمن في المحافظات الخاضعة لسيطرة الإمارات "عدن – الضالع"
- لا يستطيع الإصلاح ضمان ولاء القوات التي تتمركز في مأرب وسيئون وتعز، حيث يعلم الإصلاح أن كثير من القيادات العسكرية في تلك المحافظات تم فرضهم من السعودية، ويكنون عداء غير معلن للحزب، إلى جانب ما تضخه دولتي التحالف من أموال لشراء الولاءات.
- كثير من المسئولين المحسوبين على الحزب قد يفضلون الوظيفة والمنصب على مجارات مواقف الحزب الغير مضمونة النتائج.
- طوال فترة الحرب تعرض الكثير من الرموز الإصلاحية للإقصاء والتهميش داخل مؤسسات الحزب نتيجة رغبة القيادة الحالية في إبعاد كل طامح بالقيادة، أو معارض للسعودية بالذات، وهذا قد يدفع ببعضهم للانتقام من قيادة الحزب، وعدم الاصطفاف خلف مواقف الحزب الجديدة.
- مصير محافظة تعز مهم لحزب الإصلاح، وقد يجعلها عرضة للسقوط أو الحصار المطبق، إن فشلت الإمارات في إسقاطها.
- قد تسعى الإمارات والسعودية لتمرير مشروع في مجلس الأمن يقضي بفرض عقوبات على الحزب، وهذا يرتبط بمدى قدرة الحزب على عقد تحالفات مع إحدى الدول الدائمة العضوية كالصين مثلا لعرقلة أي مشروع قرار قد يستهدفه داخل مجلس الأمن.
ويبقى السؤال :هل عمل الإصلاح حسابه لكل هذه الأمور؟ وهل يملك أوراق فاعلة تجعله قادرا على الصمود ومواجهة قوة التحالف الهائلة.
ما الذي سيخسره التحالف؟
وفيما يتعلق بالتحالف والسعودية بالذات فانسحاب الإصلاح من تشكيلتها السلطوية، يجعلها في محل الانتقاص من شرعية تدخلها وسلطتها القائمة، والمتمثلة بالمجلس القيادي الذي تم تشكيله في السابع من أبريل الماضي، ويعد الإصلاح أحد مكوناته الرئيسيين، إلى جانب أنه سيفتح على نفسه معركة استنزاف جديدة، وخسارة الإنجازات التي تحققت طوال السنوات الماضية، وقد تخسر مكاسبها التي حققتها في محافظة المهرة لصالح خصمها الخليجي سلطنة عمان ، التي تتأهب لدور فاعل في الملف اليمني.
وعلى صعيد التنافس الدولي الذي غُيب في اليمن لصالح دولتي السعودية والإمارات، فإن قرار من هذا النوع سيفقد الدولتين هذه الميزة، وقد يجلب دول أخرى كانت تتحفز لأي طرف يمني يخرج من عباءة التحالف، لتستخدمه إما في تحقيق مصالحها، وإما في الإضرار بالسعودية، واستخدامه في مقايضات سياسية في ملفات أخرى، أو لتحقيق مكاسب اقتصادية أو سياسية، خصوصا مع تصاعد التوترات العسكرية بين أمريكا والغرب من جهة ، وروسيا والصين من جهة أخرى.
مدى جدية الحزب في القطيعة مع السعودية
يرى مراقبون أن تلويح حزب الإصلاح بالانسحاب من المشاركة في السلطة التي تديرها السعودية والإمارات، وسحب تأييده لحرب الدولتين في اليمن، أنها مجرد فزاعة ورفع سقف التهديدات لتحسين شروط الحوار مع السعودية، وتحسين موقعه في الحكومة التي تديرها الدولتين.
وأشار إلى أن حزب الإصلاح متمسك بعلاقته بالسعودية، كخيار وحيد، خصوصا وأن المملكة تحتضن استثمارات الحزب وقياداته العليا، وأي قرار من هذا النوع سيعرض تلك الاستثمارات للمصادرة والتأميم.