ما سيناريوهات الرد الإيراني على اغتيال أمريكا لسليماني؟

استهلت الولايات المتحدة العام الجديد بتصعيد كبير ضد إيران، حيث اغتالت فجر الجمعة أحد أبرز قادتها العسكريين، وهو الجنرال قاسم سليمان، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، ما أعقبه وعيد من طهران بالانتقام.


وتسبب التصعيد الخطير بتوتر شديد على الساحة العراقية، التي شكلت مسرحا لعملية الاغتيال، وسط ضبابية وتضارب للأنباء بشأن ما يجري في بغداد، وحديث عن سيطرة قوات أمريكية على المفاصل الأساسية في العاصمة.


ويثير هذا المشهد تساؤلات بشأن سيناريوهات الرد الإيراني، من حيث شكله وحجمه ومكانه، لا سيما أن قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، كان قد أكد الخميس عدم السعي لجر البلاد إلى حرب مع الولايات المتحدة.


لا حرب تقليدية


وفي حديث لـ"عربي21"، قال المختص العراقي بشؤون المنطقة، محمد صادق أمين، إن إيران لا تمتلك حاليا القدرة العسكرية أو الاقتصادية لمواجهة الولايات المتحدة مواجهة تقليدية، خصوصا بعد ما تعرضت له طهران من استنزاف جراء عقوبات واشنطن.


وأضاف: "لذلك فإن خيار مواجهة تقليدية أمر مستبعد، لكن عندما ننظر إلى تصريح المرشد الإيراني، علي خامنئي، نستشف طبيعة الرد، فقد قال إن استهداف سليماني هو استهداف لخط وتيار المقاومة في المنطقة بأسرها".


وتابع: "يكاد يكون ذلك توجيها للأذرع الإيرانية بعموم المنطقة، مفادها أن مهمة الانتقام لمقتل سليماني تقع على عاتقهم جميعا".

ورجح "أمين" أن يشمل الرد العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها، من خلال عمليات نوعية ضد المصالح والقوات الأمريكية، بدعم وإسناد من إيران.


وقال: "شهدنا في المرحلة الماضية عمليات نوعية نفذتها أذرع إيرانية، لا يمكن أن تنفذها مليشيات دون إسناد من دولة، مثل استهداف أرامكو السعودية".


وأضاف أن نوعية العملية وحجمها وتأثيرها، والغموض الذي تمكنت من فرضه بشأن مصدرها، جميعها مؤشرات على وقوف جهاز استخبارات دولة وراءها.


العراق ساحة للمواجهة


وفي السياق ذاته، أكد الباحث والمحلل السياسي، محمد غازي الجمل، أن مواجهة مباشرة ستكون مكلفة للجانبين، لافتا إلى وجود تفاهم ضمني بين الجانبين على جعل العراق ساحة لتصفية خلافاتهما حاليا.


ورجح "الجمل" في حديث لـ"عربي21" أن تنحصر المواجهة في الساحة العراقية، مؤكدا أن الحرب المباشرة سيكون خيارا "انتحاريا" بالنسبة لإيران.


وأما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن مواجهة مباشرة ستكون مكلفة جدا لها ولحلفائها، سواء في الخليج أو إسرائيل.


وتابع: "بالنظر إلى توفر ساحة بديلة للمواجهة، فإن الطرفين قد يفضلا استخدامه"، متوقعا مزيدا من التصعيد في العراق، ومؤكدا أن الشعب العراقي سيكون في النهاية هو الخاسر الأكبر، سواء من حيث التكلفة الإنسانية أو السياسية، في إشارة إلى عرقلة مسار الحراك الشعبي المطالب بإصلاحات في البلاد.


"
معركة ترامب"


من جانبه، اعتبر الخبير بالشأن الإيراني، طلال عتريسي، أن عملية الاغتيال لا توازي التظاهرات التي حصلت ضد السفارة الأمريكية لدى بغداد.


وقال "عتريسي" لـ"عربي21" إن القرار الأمريكي مفاجئ إلى حد ما، رغم وجود مشروع لاستهداف سليماني منذ سنوات، مؤكدا أن القرار ينسب بالدرجة الأولى للرئيس دونالد ترامب.


وتابع أن الأمر متعلق إلى حد كبير بالحسابات الأمريكية الداخلية، بالنظر إلى تعقد مشاكل ترامب السياسية، وحاجته إلى تحقيق انتصارات، لكن ذلك، في المقابل، "يدفع التحدي مع إيران إلى أعلى درجة".


وأضاف أن "الأمريكيين يدركون ذلك، وهم اليوم في أعلى درجات الاستنفار، خوفا من رد الفعل".


وأكد عتريسي أن الإيرانيين لن يبقوا صامتين إزاء ما حدث، "فقاسم سليماني ليس شخصا عاديا، بل يمكننا القول إنه الشخص الثاني في الدولة".

وذهب الخبير اللبناني حد وصف ما جرى بأنه بمنزلة إعلان حرب، مشددا على أن الوجود الأمريكي في العراق سيكون هدفا للرد الإيراني، فضلا عن مئات الجنود في سوريا، إلا أن الأكيد بكل الأحوال هو أن طهران "لن تترك لترامب حرية تغيير قواعد اللعبة، أو فرض سيناريوهات معينة من خلال الاغتيال".


كما اعتبر أن أي رد، قد يأتي خلال أسابيع، ربما ينهي آمال ترامب بالاحتفاظ برئاسة الولايات المتحدة، مشيرا إلى تحذيرات صدرت عن سياسيين في واشنطن، لا سيما عن أعضاء ديمقراطيين بمجلس الشيوخ، تحذر من أن الرئيس الجمهوري بات يضع أرواح الجنود الأمريكيين في خطر.


أما المحلل السياسي العراقي محمد صادق أمين، أكد بدوره، ارتباط توقيت اغتيال سليماني بحسابات سياسية داخلية، متعلقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة، التي يريد دونالد ترامب الفوز فيها بولاية ثانية.


وقال: "سجل الديمقراطيون هدفا في مرمى ترامب والجمهوريين، من خلال فضح قضية أوكرانيا وفتح تحقيق بحق الرئيس، بينما كان الأخير قد حقق شعبية بدعم دولة الاحتلال واللوبي الصهيوني، وهو ما يسعى لتثبيته من خلال هذه الضربة".


وأضاف في هذا الإطار أن ترامب معني بتحقيق نجاح خارجي، يضمه إلى نجاحه الداخلي المتمثل بالمؤشرات الاقتصادية الإيجابية، قبل توجه الناخبين الأمريكيين إلى صناديق الاقتراع في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.