بعبع الحوثية وسلاح النفط !!
محمد علي محسن
فريق الخبراء في تقريره إلى مجلس الأمن ، صور الجماعة الحوثية وكأنها دولة مارقة لديها كل القدرات العسك...
بعد ما انتهت الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، بانتصار بريطانيا وحلفائها، خرج الأتراك العثمانيون من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها شمال اليمن، وأعلن الإمام يحيى بن محمد حميد الدين (1869-1948) تأسيس (المملكة المتوكلية اليمنية)، كما أعلن عن نيته تحقيق وحدة الأراضي اليمنية كافة، رافضاً الاتفاقات الانجلو- تركية المتعلقة بترسيم الحدود بين شمال اليمن وجنوبه، وقام الانجليز بالاستيلاء على تهامة والحديدة (غرب اليمن)، وبدأت قوات الإمام تتحرك جنوباً نحو المناطق الواقعة تحت الاحتلال البريطاني في الضالع ولحج، وفي العام 1924 سيطرت قوات الإمام على منطقتي الضالع والشعيب (شمال لحج)، ومنطقة العواذل (تتبع محافظة أبين شرق عدن)، للضغط على الانجليز كي يسلموه الحديدة، واستعان بإيطاليا ووقّع معها اتفاقية صداقة في العام 1926، كما عقد معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي في العام 1928 ، فجاء ردّ فعل الانجليز سريعاً بشنّ الحرب في العام نفسه بعدما فشلت محاولاتهم في التفاوض مع الإمام يحيى، واستخدمت بريطانيا الطائرات الحربية التي ألقت قنابل دمار ألحقت الضرر بجيش الإمام ، وباشرت قصفها الجوي على منطقتي الضالع وقعطبة المتجاورتين، ثم استمر القصف ليشمل مدن تعز (جنوب غرب اليمن) وإب وذمار ويريم (وسط اليمن) ومناطق أخرى، وفيما كان الإمام وأنصاره يمارسون سياسة القمع وجباية الأموال وأخذ الرهائن في المناطق التي يسيطرون عليها، تمكّنت السلطات البريطانية من تقديم نفسها كحامية للسكان والأمراء والسلاطين في تلك المناطق، وتراجعت قوات الإمام يحيى إلى ما وراء الحدود التركية- البريطانية سابقاً، الأمر الذي حطّم آمال الإمام في استعادة توحيد اليمن كله تحت سيطرته، وأجبره على القبول بالمفاوضات التي أدّت إلى التوقيع على اتفاقية مع السلطات البريطانية في العام 1934، ووافق فيها الإمام على سحب قواته من الضالع، والإفراج عن الرهائن وفتح الطريق التجاري، وتضمنت الاتفاقية ضم البيضاء إلى مناطق نفوذ الإمام رغم كونها تقع في الجزء الجنوبي في الاتفاق الانجلو تركي .
وقد استغلت بريطانيا تلك المعاهدة التي تعد اعترافاً بسلطتها على الجنوب وتقسيماً لليمن، وفقاً للصورة التي انتهت إليها الحرب، وشرعت في تنفيذ سلسلة من الإجراءات ترمي إلى ترسيخ سلطتها في المحميات، سيما وأن المعاهدة تضمنت التزام الطرفين بـ"عدم دعم أي تحرك في داخل ممتلكات الطرف الآخر، بشكل يعد خرقاً لشروط الاتفاق المبرم" ، ويكشف هذا عن تخلي الإمام عن الادعاء بالعمل على تحرير جنوب اليمن من الاستعمار الأجنبي، خاصة وأن مملكة الإمام أحيطت في النصف الأول من الثلاثينيات بمجموعة من الحروب وحركات التمرد في شمال اليمن مع المملكة العربية السعودية، وفي مناطق تهامة غرباً، وكذلك في مناطق الجوف شمال شرق البلاد، وبدأ السخط الشعبي يظهر بسبب سوء إدارة البلاد من قبل الإمام وموظفيه، وهزيمة قواته في الحرب اليمنية- السعودية التي أعقبها توقيع الطرفين على اتفاق الطائف، كما اعتبر اليمنيون الاتفاق المبرم مع بريطانيا تنازلاً من الإمام، لأنه اعترف باحتلال بريطانيا لعدن والجنوب اليمني لمدة أربعين عاماً، وأن إدارة الإمام "أضاعت ثلثي اليمن بمحض إرادتها، وسلمت الشعب للاستعمار، وخذلت الأحرار المناضلين، ووقفت من أمراء المنطقة وسلاطينها مواقف منفرة، حملتهم على الرضوخ للإنجليز، كما لم تعد نفسها ولا جيشها ولا شعبها الإعداد الذي يحوط اليمن من الأخطار التي قد تتعرض لها في يومٍ من الأيام، بل بالعكس حطّمت الشعب، وقطّعت أوصاله، وفرضت عليه الفقر والجهل والسجون والمرض، حتى أصبح لقمةً سائغةً للاستعمار" ، ونتيجة لذلك السخط المتنامي تكونت حلقات المعارضة في الكثير من المناطق اليمنية مثل صنعاء وتعز وذمار وإب .
وتمثل المقاومة المسلحة التي انطلقت من الريف اليمني في الفترة (1918- 1934) بزعامة شيوخ القبائل ضد سياسة الإمام في جباية الزكاة ونظام الرهائن والتجنيد الإجباري المرحلة الأولى من مراحل تشكل المعارضة اليمنية، بينما جاءت المرحلة الثانية التي تعرف بالمعارضة السياسية، في الفترة (1935-1943)، بانتقال المعارضة من الريف إلى المدينة، ويقودها العلماء والمثقفون، وتمحورت في النشاطات الأدبية والثقافية للجمعيات السرية والحلقات العلنية .
وتأثر أعضاء المعارضة بأفكار المصلحين والمجددين اليمنيين أمثال:
محمد بن إبراهيم الوزير،(1373-1436)،
الحسين بن أحمد الجلال (1604-1677)،
محمد بن إسماعيل الأمير (1688-1769)،
صالح مهدي المقبلي (1720-1788)،
ومحمد بن علي الشوكاني (1760-1834) ،
والمفكرين العرب أمثال:
جمال الدين الأفغاني (1739-1897)،
محمد عبده (1849- 1905)،
عبدالرحمن الكواكبي (1854-1902)،
جورجي زيدان (1861-1914)،
وشكيب أرسلان (1869-1946) وغيرهم.
ولاقت مطالبهم في مواجهة الاستبداد وإجراء الإصلاحات صدى واسعاً في أوساط الرعيل الأول من المعارضة، وشكلت تلك الأفكار الأساس الفكري لحركة المعارضة اليمنية، وكان محمد المحلوي (1865-1936) وحسن الدعيس (1885-1948) من أوائل اليمنيين المتأثرين بالأفكار الإصلاحية، وأول من تعرض بالنقد العلني للمبادئ الأساسية للحكم الإمامي .
وفي العام 1935 أنشأ أحمد المطاع (1907-1948) هيئة النضال في صنعاء، وهي أول منظمة معارضة سرية ولها نظام وأهداف محددة، واستمرت – سنوات عدة، تمثل المقاومة المنظمة ضد حكم الإمام يحيى ، وعلى إثرها أنشئت المنظمات السرية والاتحادات الأدبية والثقافية في المدن اليمنية ، وجمعية الإصلاح في إب بقيادة محمد علي الأكوع (1903-1998)، والقاضي عبدالرحمن الإرياني، وظهرت المرحلة الثالثة من مراحل المعارضة اليمنية، في الفترة (1944- 1948)، عندما اتخذت المعارضة طابعاً تنظيمياً مميزاً عن المراحل السابقة، بعد انتقالها إلى عدن حيث أسس محمد محمود الزبيري•، ورفاقه أحمد محمد نعمان، وزيد الموشكي (1911-1948)، وأحمد الشامي (1924-2005)، "حزب الأحرار اليمنيين" في العام 1944، وصدر عنه صحيفة "صوت اليمن" ، ثم "الجمعية اليمانية الكبرى" 1945، وخلال هذه الفترة اكتسبت المعارضة الوطنية فكراً أيديولوجياً إصلاحياً اتضحت معالمه في الوثيقة النظرية لحركة 1948 الدستورية المعروفة باسم (الميثاق الوطني المقدس) .
وأخذت المعارضة تتوسع في الداخل والخارج، وبدأ بعض أفرادها يتفاعلون مع المحيط العربي والدولي وما فيه من تيارات وأحزاب وقوى، وتأثروا بالأفكار التي كانت منتشرة في تلك الفترة، ولم تأت ثورة الدستور عام 1948 إلا وقد تمكنت المعارضة من نسج علاقات واسعة خارج اليمن مع التيارات الفكرية والسياسية، ومنها حركة الإخوان المسلمين التي كانت أبرز داعمي الثورة، بعد لقاءات عدة جمعت قيادات في المعارضة مع مؤسس حركة الإخوان الإمام حسن البناء .
وكانت ملامح الصراع على السلطة داخل نظام الحكم الإمامي نفسه قد بدأت تظهر في النصف الثاني من ثلاثينيات القرن العشرين، حينما عمل أبناء الإمام يحيى الملقبون بـ(سيوف الإسلام) -بدعم من أبيهم، على إزاحة حلفائهم وأقاربهم من خارج بيت (حميد الدين)، إذ نجح نجل الإمام الأمير أحمد في إزاحة علي الوزير من موقعه أميراً للواء تعز ليحل محله ، وأدى ذلك إلى توسع حالة السخط والاستياء ضد الإمام يحيى لتشمل شخصيات ضمن الدوائر الأقرب إليه مذهبياً وأُسَرياً، كما هو حال آل بيت الوزير• الذين انحاز أغلبهم للمعارضة لاحقاً.
وعلى الرغم من فشل الثورة عام 1948، لكنها نجحت في توسيع قاعدة المعارضة ضد الحكم الإمامي، وأدّى سفر بعض الطلاب اليمنيين للدراسة في الخارج مع هروب عدد من قيادات المعارضة عقب فشل الثورة، إلى إقامة العلاقة بين أحرار اليمن والحركات الوطنية في الخارج، وابتداء من العام 1951، بدأ نشاط المعارضين السياسيين اليمنيين، وخاصة في عدن حيث نزل فيها الشيخ عبدالله الحكيمي (1900-1953)، وتضاعفت صفوف المعارضة بالمعتقلين الذين أطلق سراحهم الإمام أحمد، وتم إنشاء الاتحاد اليمني ، وأسهمت ثورة 23 يوليو 1952 بزعامة جمال عبدالناصر، في تعزيز تلك العلاقة، حيث كان أغلب افراد المعارضة اليمنية يقيمون في مصر، وقد أبدت الثورة المصرية دعمها للمعارضة في مواجهة الاستعمار البريطاني بدرجة رئيسية، ومواجهة الحكم الإمامي وإن بدرجة أقل، لأن الإمام أحمد نجح في استمالة موقف مصر إلى جانبه بداية الأمر، لكن خديعة الإمام للقادة المصريين لم تدم طويلاً .
جزء من دراسة للباحث نشرها مركز أبعاد للدراسات والبحوث في مايو 2020،
بعنوان: ستة عقود من انعدام الاستقرار في اليمن
إشارات:
مؤسس المملكة المتوكلية اليمنية(شمال اليمن)، أعلن نفسه إماما على اليمن بعد وفاة والده الإمام المنصور محمد بن يحيى حميد الدين (1839-1904)، وكما فعل والده، خاض الإمام يحيى حروبا عدة مع العثمانيين حتى تحقق له مراده برحيلهم بشكل نهائي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فأعلن تأسيس المملكة المتوكلية، وتولى السلطة رسميا منذ العام 1918 حتى1948، عندما قامت ثورة الدستور، وقتل برصاص الثوار في إحدى جولاته جنوب صنعاء مع عدد من مرافقيه في 17 فبراير/شباط 1948، وأبناؤه هم: أحمد ،محمد، الحسن، الحسين والمحسن (قتلا مع والدهما في جنوب صنعاء إبان ثورة عام 1948)، علي، المطهر، إبراهيم (انشق عن أبيه والتحق بالمعارضة وشارك في ثورة 1948، وبعد فشلها اقتيد إلى السجن، وتوفي هناك وقيل أنه مات مسموماً)، عبد الله والعباس (أعدمهما أخوهما الامام أحمد بعد فشل الحركة الانقلابية التي نفذاها ضده في العام 1955)، إسماعيل، القاسم، يحيى، عبدالرحمن.
الرهائن أشخاص تأخذهم سلطات الإمام، في الغالب يتم اختيار أبناء شيوخ القبائل والزعماء المحليين لضمان طاعتهم وعدم التمرد على الإمام، وشاعت بشكل واسع في عهد الإمام يحيى وابنه الإمام أحمد.
عبدالرحمن الإرياني (1910-1998)، ثاني رئيس للجمهورية العربية اليمنية بعد الثورة، في الفترة (1967-1974)، عالم، أديب، شاعر، تولى القضاء فترة من الزمن في عهد الحكم الإمامي، ثم أسهم مع الأحرار المعارضين لحكم الإمام يحيى في أربعينيات القرن الماضي، وشارك في ثورة 1948، دخل السجن بعد فشل الثورة وظل معتقلا في سجن حجة نحو سبع سنوات، عين وزيرا للعدل في أول حكومة بعد ثورة 1962، ثم عضوا في مجلس الرئاسة ورئيسا للمجلس الجمهوري في حركة 5 نوفمبر التي أطاحت بسلفه الرئيس عبدالله السلال في العام 1967، وفي العام 1974 قدم استقالته من رئاسة الجمهورية ليتولى الحكم مجلس يدعى مجلس القيادة يرأسه إبراهيم الحمدي.
• محمد محمود الزبيري (1910- 1965) أديب وثائر وسياسي، ذهب إلى مصر في العام 1939، لإكمال تعليمه، فالتحق بدار العلوم، ثم عاد إلى اليمن عام 1941ودخل السجن بسبب نشاطه المعارض للإمام يحيى، وخرج من السجن بعد نحو عام، فاتجه إلى تعز ومنها إلى عدن، حيث أنشأ مع رفاقه المعارضين (حزب الأحرار) في العام 1944م، وبعد فترة تغير اسمه إلى (الجمعية اليمنية الكبرى)، وشارك في ثورة الدستور 1948، وظل بعدها منفيا في باكستان حتى قيام ثورة يوليو/تموز في مصر، فانتقل إليها وقاد المعارضة من جديد من موقعه كرئيس للاتحاد اليمني حتى قيام ثورة سبتمبر 1962 التي عين وزيرا فيها ثم عضوا في مجلس الرئاسة عام 1963، وترأس الوفد الجمهوري للمفاوضات مع الملكيين في مؤتمر آركويت (السودان) الذي انعقد في العام 1964.
أحمد محمد نعمان (1909-1996) سياسي ومناضل بارز، التحق بالمعارضة اليمنية منذ وقت مبكر، وفي العام 1944 شارك مع زميله محمد محمود الزبيري في الانتقال إلى عدن حيث أعلنا تأسيس أول حزب معارض، وكان أحد أبرز قادة ثورة الدستور في العام 1948، وعين وزيرا للزراعة، وبعد فشل الثورة مكث في السجن قرابة سبع سنوات، بعدما قامت ثورة سبتمبر/ أيلول 1962 وأعلن قيام النظام الجمهوري، تقلد عددا من المناصب الحكومية، أهمها رئاسة الوزراء في العام 1965، ومرة ثانية في العام 1971، كما شغل مندوبا لليمن في جامعة الدول العربية، وعضوا في المجلس الجمهوري.
بيت حميد الدين الذي ينتمي إليه آخر حكام الدولة الإمامية الزيدية التي بدأت مع الإمام الهادي يحيى بن الحسين كما سبق، وأول من تلقب بـ(حميد الدين) من أسلاف الإمام يحيى هو جده الثالث، يحيى بن محمد بن إسماعيل، وينحدر بيت حميد الدين من سلالة الإمام المنصور القاسم بن محمد، (1559-1620)، الذي تولى الحكم في الفترة (1598-1620)، وهو مؤسس الدولة القاسمية التي سيطرت على الحكم في اليمن على فترتين، الفترة الأولى بعد انتهاء الوجود العثماني الأول الذي بقي في اليمن نحو مائة سنة، في الفترة (1538-1635)، والفترة الثانية كانت عقب انتهاء الوجود العثماني الثاني في العام 1918، وإعلان الإمام يحيى تأسيس المملكة المتوكلية اليمنية، واستمرت دولة بيت حميد الدين، أو الدولة القاسمية الثانية، قرابة 44 سنة، انتهت بقيام ثورة سبتمبر/أيلول 1962.
• بيت الوزير: من الأسر الهاشمية التي تنحدر من سلالة الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي، مؤسس الدولة الزيدية في اليمن، وبسبب تدهور العلاقة بين بيت حميد الدين وبيت الوزير انضم هؤلاء إلى المعارضة وصاروا جزءا منها، واختير منهم قادة لنظام الحكم في ثورة الدستور في العام 1948، وأُعلن عبد الله بن أحمد الوزير (1885 - 1948)، إماماً دستورياً، وعلي بن عبد الله الوزير رئيسا لمجلس الوزراء، ومحمد بن محمد الوزير حاكم صنعاء، ومحمد بن أحمد الوزير، حاكم محافظة عمران (شمال اليمن)، وعبد الله بن علي الوزير، مدير الدعاية والنشر، وبعد فشل الثورة قام الإمام الجديد أحمد بإعدام قيادات الثورة وفي مقدمتهم أمراء بيت الوزير.