إعادة تعريف الخطر في الوعي العربي..!
صقر جحاف
إيران ليست أخطر من إسرائيل على العرب، إن تغليب العداء العربي مع إيران على الخطر الإسرائيلي هو انحراف...
إيران ليست أخطر من إسرائيل على العرب، إن تغليب العداء العربي مع إيران على الخطر الإسرائيلي هو انحرافٌ في بوصلة الوعي الجمعي للشعوب، ذلك أن المشروع الصهيوني تهديدٌ وجوديٌ طويل الأمد، يستهدف تفكيك الهوية العربية والسيطرة على مقدرات المنطقة برمتها، إنه نفيٌ ممنهج لذواتنا، مشروع يقوم على محو الإنسان العربي من الجغرافيا والتاريخ معًا، وتحويل اسمه إلى هامش ضئيل في رواية لم يكتبها ولا يعرف عنها شيء، ومع كل اختراق سياسي أو أمني تقوم به إسرائيل في الداخل العربي، تتراجع قدرة العرب على فرض واقع يؤمن مستقبلهم ككتلة مستقلة قادرة على النهوض على المدى البعيد.
بالطبع، إيران تتسلل إلى الداخل العربي باسم العقيدة أو المذهب وتعبث بالمنطقة، وفي المقابل فإن إسرائيل تمزق الجغرافيا باسم الحق الإلهي والوجود الأزلي، وبالتالي فإن الأولى تشكل خصم مرحلي، أما الثانية نفيٌ وخطر وجودي على الأمة، وبمعنى أقرب فأن إيران تلعب داخل ساحة الصراع، أما إسرائيل فتمزق خريطة الصراع لتصنع لنفسها خارطة جديدة وشرقًا أوسطًا مفصلًا على مقاسها.
وبالتالي سيظل وجود اسرائيل في المنطقة جرح غائر في جسد الأمة يمنع أي نهوض حقيقي لها ويشكل عائقًا دائمًا أمام وحدة القرار العربي واستعادة الدور الحضاري للقطر الواحد، ذلك أنها تتجاوز عن كونها تهديدًا على الأمن الوطني العربي إلى نفي للهوية العربية بشكل جذري، نسفٌ للمعنى، واغتيال لمستقبل مشترك تحلم به الشعوب والأجيال.
ومن هنا، يصبح الخلط بين العدو والخصم انتحارًا وطنيًا، واستبدال أولوية الصراع مع إسرائيل بصراع فرعي مع إيران؛ نوعًا من تزييف الوعي وتهريبًا للتاريخ، وكلما اشتد العداء لطهران ازداد التهافت نحو تل أبيب، وكأن الذاكرة العربية قصيرة، وكأن النكبة لم تقع، وكأن القرى التي سُوِّيت بالأرض لا تعنينا.
اسرائيل دولة لم تُنشأ على حافة الجغرافيا العربية، إنما زُرعت في القلب على أرضٍ اقتُطعت من وعي الأمة لا من حدودها فقط، إنها كيان استيطاني معجون بالشر ترى في وجود العنصر العربي تهديدًا لها، وسرديتها تكتمل فقط بإقصاء الرواية العربية، كما أن شرعيتها تُبنى على نفي أصحاب الأرض الأصليين.
لذلك لا بد من استعادة الوعي بأن بقاء إسرائيل في قلب المنطقة، ككيان فوقي يعيد تشكيل الجغرافيا والهوية، هو العائق الأكبر أمام كل فكرة عربية تسعى للنهوض، وما لم تُستعاد هذه الحقيقة في وجدان الأمة، ستبقى الطاقات تستنزف في الخصومات القابلة للتدوير، فيما العدو الجذري يُعيد صياغة مشهدنا من الداخل.
وبشكل عام، فإنّ مواجهة عبث إيران ضرورة، لكن دون أن نُزيّف البوصلة، فإسرائيل هي الخطر الوجودي، وإيران خطر مرحلي، والخلط بينهما هو الخطر الأخطر، ولا ينهض مشروع عربي في ظل اختلال الوعي، ولا يمكن أن يتحقق تحول حضاري حقيقي فيما الجرح الأكبر يُستبدل بندوبٍ ثانوية، ومن هنا فإن إعادة تعريف الخطر ضرورة فكرية واستراتيجية لا تعدو انحيازًا لمعادلة، ولكن عودة إلى منطق التأريخ.
صقر جحاف