*قراءة في معركة الطويلة بكريتر*

الجنوب الآن-خاص

لو طلب مني وأنا في أعلى الهرم العسكري اتخاذ قرارا بعد مواجهات كريتر لاتخذت قرارا بإحتواء إمام النوبي وتعيينه قائدا في أهم الألوية العسكرية .. بعيدا عن موضوع بلطجته فأنا هنا أتحدث عن جانب عسكري وتحليل نتيجة معركة حصلت بين ألوية ووحدات جيش نظامي ومجموعة مقاتلين يقودهم قائد شاب استطاع أن يصل إلى أهدافه باستخدام استراتيجية واضحة وتكتيكات محكمة.. بينما كان عدوه لا يمتلك أي استراتيجية وتكتيكات للوصول إلى هدفه ..

يقول الجنرال الصيني "سون تزو" في كتابه الشهير (فن الحرب): "الإستراتيجية بدون تكتيكات هي أبطأ طريق إلى النصر. التكتيكات دون استراتيجية هي الصوت الذي يسبق الهزيمة."

إمام النوبي أو الصلوي- لا يهمني الاسم كما أهم عدوه أكثر من المعركة ذاتها- استطاع أن يخوض المعركة بشروطه لانه وضع أهدافه مبكرا منها:

1- إثبات قدرته وزعامته كقائد شعبي قادر على تحريك الشارع من خلال المظاهرات

2- رسالة إلى التحالف وخاصة المملكة إثبات قدرته كقائد عسكري محنك قادر على مواجهة وهزيمة ألوية بأسلحتها وعتادها و قادتها

3- تحطيم سمعة المجلس الانتقالي وأنه غير قادر على ضبط الأمن في عدن بالرغم مايمتلكه من مختلف التشكيلات العسكرية

والقائد الماهر هو من يحارب وفق شروطه أو لا يحارب على الإطلاق..

وكان واضحا من تكتيكات إمام أنه استطاع أن يسحب ألوية الانتقالي إلى ساحة معركة يتقنها من حيث الأداء والجغرافيا فحرب العصابات شكل من أشكال القتال بين مجموعات مسلحة وقوات نظامية فهي استراتيجية عسكرية يلجأ إليه الطرف الأضعف للتغلب على خصم قوي عندما يجد أن المواجهة النظامية ليست في مصلحته..لأن هدف حرب العصابات ليس تحقيق مكسب ميداني أو حتى عسكري حاسم وإنما تكبيد العدو خسائر، أو التمهيد لعملية عسكرية كبيرة تستهدفه ، ويبدو أن التحالف وأقصد المملكة هي من شجعت إمام لخوض غمار هذه المواجهة.

كيف استطاع إمام ومسلحيه اختيار مكان المواجهة وتحديد وقتها؟ 

"سون تزو" الجنرال الصيني يقول: "تظاهر بالنقص وشجع غطرسة عدوك." ويقول: "إذا كان غريمك سريع الغضب ... احرص على مضايقته وإثارة غيظه. تظاهر بالضعف حتى يتمادى في غروره"

هجوم إمام على شرطة كريتر وأخذ رهينة منهم ليس الغرض منه تحرير صديقه المعتقل في الشرطة فقط وإنما كان نوعا من مضايقة وإثارة إمام للمجلس الانتقالي وقادته العسكريين ليدفع بهم إلى المواجهة ..كان بالإمكان لقادة المجلس الانتقالي تجنب ذلك باتخاذ إجراءات أخرى ولكنهم ابتلعوا الطعم وجهزوا للحملة العسكرية..إمام شاب طائش ومتهور وعدو مثل هذا لا تقابله بالقوة الغاشمة بل غرر به إلى كمين ثم انقض عليه" كما ينصح بذلك الجنرال الصيني.. 

حشدت الألوية والوحدات العسكرية المختلفة إلى كريتر .. وهنا بدأ إمام ومسلحيه باستدراجهم إلى أزقة كريتر وبالذات منطقة الطويلة والطرق المؤدية إليها مستخدما أسلوب حرب العصابات .. ووزع أفراده على شكل مجموعات متناسقة على هذه الأزقة بحيث تنتقل وتختفي بشكل سريع وهدفهم واضح وهو منع أي تقدم لقوات المجلس الانتقالي وإيقاع الخسائر فيها .. ويبدو أن إمام عمل بنصيحة الجنرال سون تزو عندما قال " إن كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك, فما عليك أن تخشى من نتائج مئة معركة. وإن كنت تعرف قدرات نفسك, وتجهل قدرات خصمك, فلسوف تعاني من هزيمة ما في كل نصر مُكتسب. أما إن كنت تجهل قدرات نفسك, وتجهل قدرات عدوك... فالهزيمة المؤكدة هي حليفك في كل معركة ! قوات الانتقالي جهلت أمرا مهما وهو قدرات عدوهم وقدرات أنفسهم..فإمام ومسلحيه قد تمرسوا على هذا النوع من المواجهة أيام الأمن المركزي وحرب الحوثي وغيرها من المواجهات ..بينما قوات الانتقالي جهلت قدرات أفرادها في هذا النوع من المواجهة .. وجهلت الجغرافيا التي لن تكون لصالحهم ..

استطاع مسلحو إمام ايقاع خسائر في قوات الانتقالي المتقدمة لأن هدفهم واضح .. بينما قوات الانتقالي لم تجد أهدافها فكانت تضرب بشكل غير مركز و هستيري لغرض اخافة المسلحين المختفين بين الأزقة.. وهذا ما يفسر عدد القتلى والجرحى من المدنيين والخراب الذي طال البيوت والسيارات والممتلكات الخاصة.

اتخذ إمام قرار الانسحاب بسبب كثافة النيران وكثرة ونوعية الحشود والآليات المتقدمة ولم تستغل قيادة الانتقالي العسكرية هذا الأمر بل لجأت إلى تضييق الخناق أكثر وهذا دفع بإمام ومسلحيه إلى الاستماتة وعدم الاستسلام ولو كانت قيادة الانتقالي أصحاب خبرة عسكرية لكانوا استمعوا للجنرال الصيني "سون تزو" حيث قال : "لا تضغط بشدة على عدو يائس، وعندما تحاصر جيشًا، اترك له منفذًا يستطيع الهروب منه وبمجرد أن يتحرك إليه، دمره بكل قواك".

وهذا هو فن الحرب؛ لكن الغطرسة والعنطزة أعمت القيادة العسكرية للانتقالي ولم تستطع الحملة تحقيق أهدافها فلم تقبض على إمام ولا أحد من مسلحيه بل رفعوا قيمة إمام وسعره العسكري على مستوى عال بسبب غباءهم المستفحل

 

اللواء المتقاعد/

احمد منصور الصومعي