نائف البكري... أيقونة التحرير وبطل الميدان الأول

 حين يفكر أي كاتب بالكتابة عن شخصية بحجم نائف البكري لا يستطيع أن يكتب عنه دون أن يتجاوز في كتابته الإطار الشخصي للمكتوب عنه إلى تأريخ وطني مليء بتراكمات نضالية لا تنتهي، وفضاء واسع من التضحية والمشاهد التي تجعلك تنسى شخص الرجل وتربطه مباشرة بأحداثه ومواقفه التي صنعها وجسدها وجعلها بذلك الزخم المدهش.  

أن هذه ميزة خالصة يتفرد بها هذا المقدام الذي خرج من ذاته وشخصه وكل شيء حوله وارتدى تضاريس وجبال ووديان هذه البلاد التي شربت الدفقات الأولى من معاني المقاومة التي ساحت من بين يديه ولأول مرة ومن على تراب عدن الطاهر.  

لن يتمكن الكاتب مهما كانت مهارته من الكتابة عنه لأنه نائف فقط أو لأنه الشخص الذي يملك سمات كثيرة وقل أن نجدها في غيره، بل لأنه نائف الذي يجسد الحالة الوطنية الخالصة بكل تفاصيلها.

نائف الذي ترك السياسة مبكرا وحمل بندقيته واختط طريقا ناصعا مشرفا لكل اليمنيين، طريق النضال والمقاومة والرجولة والفداء.

نائف الذي حمل على كتفيه الهموم العدنية والجنوبية كلها ومضى بملامحه التي تمثل خارطة هذه البلاد كلها ليأخذ لها حقها من الغزاة الذين أرادوا بانقلابهم إعادة اليمن إلى مربعات الجهل والخوف والتخلف والعبودية. 

لقد فهم هذا المقدام مبكرا كيف يتعامل مع كل الظروف التي استجدت على الساحة اليمنية ومتغيراتها التي شابتها تعقيدات كثيرة بحكم التداخلات الاقليمية والعربية، ولكنه وبحنكة القائد الذي امتلأت به شروط الكفاءة والقدرة أثبت أنه قادر على التعاطي مع كل ظروف المرحلة.

لقد فز الى بندقيته ورسم من خلالها ما يجب أن يرسمه بطل يرى بلده وقعت في براثن الإمامة والتخلف من جديد. 

لقد استطاع وبتعاون وتحالف لم تختل موازينه مع الأشقاء في دول التحالف العربي أن يلجم الجائحة الحوثية حجرا أعادتها حتى آخر الحدود الشمالية، ولو أتيحت له الفرصة ما أذنت قباب صنعاء إلا على أزيز رصاصاته وتكبيرات جنوده.  

هل علمتم الآن أنني حين أتحدث عن نائف لا يأت القصد لذاته أو شخصه، حتى أنتم حين تستمعون لاسمه يتردد في الأنحاء، أعلم يقينا أنه لا يأتي على خاطركم نائف الإنسان بل تتجلى لكم اليمن بجمهوريتها ووحدتها وعلمها ونشيدها الوطني وكلمات عبد السلام صبره وهو يقول  "أيها الخافق الذي تتفيأ ظله الصافنات والهيجاء....  يستريح المناضلون وتستنّ المواضيء ويُحصر الشهداء"  إن عطاء كهذا الذي جاء واليمن بأمس الحاجة لقطرة واحدة منه لهو عطاء مقدس، ونضال خالد في كل افئدة اليمنيين.

أن كفاح كهذا الذي حضر بينما كان الجميع في مربعات الغياب والصمت، لهو الحضور الذي يجب أن يتجسد في كل شيء.

إن هذا الوفاء الذي ظهر من على التربة العدنية بينما كان اللؤم هو سيد الحاضرين، لهو الوفاء الذي يجب أن يقابل اليوم بشتى صنوف الوفاء.  نعلم أنه لن يستطيع أحد أن يرتقي لمستوى النضال الذي قامت به المقاومة الجنوبية ممثلة بابنائها الأبرار وعلى رأسهم الأستاذ نائف البكري ولكن من باب أن يظل ذكر هذه المقاومة في كل مفاصل التأريخ اليمني بمثابة المسك الذي نضعه في كل تفاصيل جغرافيا الجمهورية اليمنية والوسام الذي تتقلده بكل حب وفخر وشرف, والاهتمام دوما بها هو ذات التقدير لجمهوريتنا اليمنية.

   هذه اليمن دوما لا يسعها الا من يضحون لأجلها ويدفعون بأرواحهم رخيصة في سبيلها ويقفون دوما على جهاتها الأربع دون أن تربكهم المساومات والمقايضات وأطماع هذا الطرف أو ذاك.

هؤلاء هم الأبرار الذين يستحقون أن تكون اليمن هي ذكرهم الأول وتأريخهم الذي لن يمحوه تعاقب الأحداث ومرور الأيام .

تقول كافة المعطيات والحقائق بأنه لو لم تنطلق تلك الشرارة التي قام بها رجال المقاومة الجنوبية فإن موضوع التحرير كان سيصبح بعيد المنال وأنه لولا غضبتهم الأولى فإن خلاص الجنوب من ميليشيا الحوثي البربرية كان سيظل أشبه بالحلم. لقد استعادت المقاومة الجنوبية أرضها موجهة ضربة مذلة للميليشيا وذلك هو الصنيع الكبير الذي لن تنساه لهم أرض السعيدة ما بقي فيها إنسان. 

لقد خاض الجنوبيون حربا عرفوا حقيقة ماذا يريدون من خلالها ومؤمنين بطهارة السلاح ومشروعيته الأخلاقية آنذاك.

  اندفع الشباب وتجمع الابطال وشكلوا حاجزا منيعا أجبروا من خلاله الغزاة البرابرة على الخروج خارج الأرض الجنوبية وكان انتصارا مشهودا لكل اليمنيين.  تشبث نائف البكري ومعه أنقى الأرواح بكل جبال عدن, بكل أحجارها, وكل جهاتها لأجل أن لا تدنس تلك الأرض أو تصاب كرامتها وكان لهم ما أرادوا ولقد ذهبوا في نضالهم أبعد من ذلك حتى صاروا هم الأيقونة التي لا ينساها لسان أو يتجاوزها عقل. 

إن حق المقاومة الجنوبية والتوقف عنده لهو تكريم كبير لكل شهداء وجرحى ذلك النضال الكبير ولكل أسرهم التي شجعتهم ودفعت بهم لحماية المدينة وحراستها من الرعب المتدفق من كهوف مران والمدعوم هذه المرة من إيران وتيارات التوحش الشيعية.

إن الحديث عن شخص واحد من رجال المقاومة الجنوبية لهو متسع كبير تذوب فيه المؤلفات والكلمات والحوارات ويبقى وحده ناصعا كنضاله ودمه الطاهر, ولكن من باب التوقف على أمجاد هؤلاء والنظر الى سجلهم المشرف والحافل بالعطاء وتذكير كل سكان الجمهورية بهم وتأريخهم وما قدموه لهذه الأمة اليمانية الكبيرة.

   هل رأيتم الآن كيف أني حين تحدثت عن نائف البكري اضطررت لاستدعاء كافة صنوف النضال والتضحيات وكل الملاحم التي صنعوها مطلع العام 2015م. لقد فعلت ذلك كما قلت لكم لأنني لا استطيع الكتابة عنه دون أن تكون هذه السيرة العطرة حاضرة ومن أول السطر ولأن الحديث عن نائف البكري والمقاومة الجنوبية أصبحت متلازمة وحقيقة صهرت بعضها وشكلت لنا ماردا يمنيا يعيش حياته وكل وقته لأجل اليمن.  

  مصطفى الشامي.