*أفهموا .. النَّاس مُتعبة جائعة !!* 

أذكر أنَّ المحافظ عبد الواحد الربيعي ، اطال الله في عمره ، التقى بنا عام ٢٠٠٤م ، وبينما كان مسترسلا بحديثه عمَّا يود من وسائل الإعلام نقله من إنجازات تنموية ؛ فإذا بانطفأ الكهرباء في ذينك المساء ، وسط ضحكة لفيف من الزملاء الإعلاميين الحاضرين الأمسية .

 

كان المحافظ صاحب نكتة عفوية ، إذ علَّق حيال انطفاء الكهرباء ضاحكًا : مشاريع بالغدرة " ، وفي صباح اليوم التالي كتبت مقالا في صحيفة " الأيام " اوسمته ب" مشاريع بالغُدرة " .

البارحة تواصلت معي قناة فضائية يمنية ، أرادت أن أشارك في حلقة قالت إنها خصَّصتها لملحمة ثورة ١٤ أكتوبر قبل ٦١ عاما ، طبعا أعتذرت وبكل لياقة وأدب . 

 

الحقيقة كان بودي المشاركة ، ولكن في ظروف أفضل من هذه الحالة المحبطة للغاية ، لقد رفضنا الاحتفاء في مثل هذه المظاهر الزائفة المدفوع ثمنها من خبز الجياع ودواء المُعسرين ، وفي وقت كان حال النَّاس أحسن بكثير ممَّا هم عليه الآن .

فماذا عساني أقول عن مناسبة وطنية وغالية وفي وقت يبعث على الشفقة والحزن ؟ يكفي أنَّ الواحد منَّا بالكاد يظفر بساعة إضاءة من خمس أو ست ساعات ، واحيانًا الليلة واليوم تمضيان بلا نور الكهرباء .

 

السؤال الأكثر إيلامًا : كيف لمن زايدوا بوطنيتهم ونزاهتهم وثوريتهم فعل ذات المظاهر الكاذبة والخادعة التي طالما عارضوها وعدُّوها نوع من الإفلاس ، وهروبًا من معالجة قضايا حياتية أكثر قيمة وأهمية ؟ . 

 

نعم كيف لهؤلاء الاستمرار في ذات النهج القديم الجديد ، وكأنَّك يا بو زيد لا سرت ولا جيت ؟ وهل من اللائق والنزاهة والثورية الأحتفاء بالمناسبة بجلب طلاب وطالبات المدارس وكليات الجامعات والمعاهد ؟ .

 

أين ذهبت الجماهير الغفيرة ؟ ولماذا اختفت من الساحات والقاعات لهذا الحد الذي لم يبق لهم غير إجبار الطلاب والمعلمين والموظفين ؟ . وكيف لهم الإنفاق على مظاهر زائفة لم تنفع من سادوا قبلهم أو سيأتون بعدهم ؟ .

 

كيف لهم الأحتفاء وديارنا يكسوها الوجوم ، والوجوه عابسة متعبة ، والبطون خاوية من وجبة غذاء هنيئة ؟ كيف يمكن للإنسان أن يرقص على أوجاع وأنين أهله وناسه وجيرانه ؟.

 

افهموا يا قوم ، النَّاس منهكة ، جائعة ، مذعورة ، وتقارير المؤسسات الدولية الحقوقية والإنسانية تؤكد أن غالبية اليمنيين يعانون من مجاعة ، وسوء تغذية ، وإنعدام أمن غذائي ، وأمراض سارية تفتك بأطفالهم وشيوخهم ونسائهم . وهذه الأسقام نتاج أوبئة انتهت نهائيًا في دول العالم ، بل ومن قاموس منظمة الصحة العالمية واليونسيف .

فلا منشأة صحية حكومية متوافرة وتقوم ولو بنصف أو ربع واجبها ، أو أنَّ التعليم يؤدي رسالته نتيجة للحالة النفسية والمعيشية للمعلِّم والإدارة ، أو أنَّ الأسعار مستقرِّة بسبب نزيف العملة الوطنية ، أو أنَّ الحرب توقفت ، أو أنَّها على وشك التوقف .

 

من حقنا جميعًا أن نبتهج باعيادنا ، وبأشياء تسعد النَّاس ، لكن الواقع سيء ومرير ، ولا يليق بعظمة المناسبة ، فما نراه في حياتنا اليومية يُدمي القلب ، ويحزن العين ، ويفطر الضمير ؛ فكيف للعوام الفرح والسرور وهم ليس لهم نصيب من فرحة الثورة المحتفى بها رسميًا ؟!.

مقالات الكاتب