بعبع الحوثية وسلاح النفط !!
محمد علي محسن
فريق الخبراء في تقريره إلى مجلس الأمن ، صور الجماعة الحوثية وكأنها دولة مارقة لديها كل القدرات العسك...
في صباحٍ بارد من شتاءٍ مبكر، كانت القرية الصغيرة تستيقظ ببطء، متلحفةً بهدوء التلال السوداء التي تحيط بها. وسط هذا الهدوء، خرج جمال من منزله البسيط، وقد ارتدى سترته الممزقة، ولفّ وشاحه حول رقبته، ووضع خوذته على رأسه قبل أن يمتطي دراجته النارية العتيقة.
كان الشاب الطموح يحلم بالوصول إلى المدينة الكبيرة بحثًا عن فرصة عمل تخرجه وأسرته من دائرة الفقر التي عاشوا فيها طويلًا.
انطلق جمال على الطرقات الوعرة المتعرجة، تحيط به التلال الصامتة كأنها تراقب رحلته. كان الطريق طويلًا، وكان الأمل يشع في قلبه مع كل ميل يقطعه. لكن القدر كان له رأي آخر؛ عند أحد المنعطفات الحادة ، ظهرت أمامه شاحنة مسرعة بشكل مفاجئ. لم يستطع جمال تفاديها، واصطدمت دراجته بها بقوة، ليجد نفسه ملقىً على الأرض، وقدميه عاجزتين عن الحركة، بينما الألم يمزق جسده.
مرت دقائق طويلة قبل أن تمر سيارة أخرى، فيتم نقل جمال إلى المستشفى. هناك، واجه الأطباء حالة خطيرة، وأخبروا والده الفقير بأن ابنه يحتاج إلى جراحة عاجلة قد تنقذ قدميه أو حياته. لكن الأب، الذي لم يكن يملك من المال سوى القليل، جلس في زاوية المستشفى منهارًا، ودفن وجهه بين يديه، وبكى بحرقة. كانت دموعه تعكس عجزه الكامل، وهمس في صمت: "يا الله، ساعدني... ليس لي سواك."
في تلك اللحظة، شعر الأب بيد توضع برفق على كتفه. رفع رأسه ببطء، ليجد أمامه رجلاً مسنًا بملامح طيبة ونظرة مليئة بالحكمة والحنان. كان هذا الرجل هو "الأب الروحي للضالع"، شخصية غامضة معروفة في المنطقة بكرمها وحكمتها. كان الناس يتحدثون عنه وكأنه أسطورة حية، فهو يظهر في أوقات الشدة ليقدم المساعدة ويفرج همّ المحتاجين. لم يكن أحد يعرف أين يعيش أو كيف تصل إليه أخبار الناس الذين يحتاجون إليه، لكنه كان دائمًا يظهر في اللحظات الحرجة، وكأن دعواتهم الخفية تستدعيه من حيث لا يدري أحد.
يُقال في الأساطير المحلية أن "الأب الروحي للضالع" هو هدية من أجداد أبناء الضالع، أرسلوه ليكون حاميًا وداعمًا لهم في كل ظروف الحياة. يروي الناس أنه لا يكتفي بتقديم المساعدة المادية فقط، بل يعمل على تقوية الروابط الاجتماعية، ويجعل المجتمع متماسكًا كالبنيان المرصوص، حيث لا يترك أحدًا يعاني وحده.
جلس الأب الروحي بجانب والد جمال، واستمع إليه بهدوء وهو يروي قصة ابنه المصاب وعجزه عن دفع تكاليف العلاج. بعد أن انتهى من حديثه، ابتسم الأب الروحي بلطف، ثم أخرج محفظة مليئة بالنقود، وقدمها للأب قائلاً: "خذ هذا المال، وادفع تكاليف علاج ابنك. لا تقلق، فالله معنا في كل خطوة. إنني هنا لمساعدتكم، كما كنت دائمًا."
ذهل الأب من هذا الكرم الغير متوقع، لكنه شعر براحة عميقة تسري في جسده. أخذ المال وتوجه إلى الطبيب على الفور. بفضل هذه المساعدة السخية، خضع جمال للجراحة الضرورية، وتكللت بالنجاح. رغم أن التعافي كان بطيئًا وصعبًا، إلا أن جمال تمكن في النهاية من الوقوف مجددًا، وأصبح رمزًا للصمود في قريته.
خلال فترة تعافيه، تأمل جمال في ما حدث معه، وتعلم درسًا عظيمًا عن الإيمان والتكاتف الاجتماعي. أدرك أن القوة الحقيقية تكمن في الإيمان والتكاتف، وأن الأب الروحي للضالع لم يكن مجرد رجل يقدم المساعدة، بل كان رمزًا للتضامن والوحدة بين أبناء مجتمعه.
أما والده، فقد أصبح يروي قصة "الأب الروحي للضالع" لكل من يقابله. كان يتحدث عنه كأنه يتحدث عن أسطورة خالدة، تلك الشخصية التي لا يعرف أحدٌ لها منزلًا أو مكانًا ثابتًا، لكنها دائمًا ما تظهر لتجلب الفرج في أحلك اللحظات. وكان الناس يصغون إليه بانتباه، فقد كانوا جميعًا يعلمون من هو هذا الرجل، ويؤمنون بأنه هدية أجدادهم، الذين أرسلوه ليبقى في صفهم، ويدعمهم في كل ظروف الحياة، ويجعل مجتمعهم متماسكًا كالبنيان المرصوص.
ومع مرور الزمن، أصبح الناس يتداولون قصة جمال والأب الروحي جزءًا من تراث الضالع ، تُروى على ألسنة الجميع كتأكيد على أن الخير والإيمان يبقيان حيَّين، حتى في أحلك الظروف، وأن هناك دائمًا من يعتني بالمحتاجين ويجعلهم يشعرون بأنهم ليسوا وحدهم في هذا العالم.
وضاح ناصر