الأب الروحي للضالع: أسطورة العطاء والإيمان
وضاح ناصر
في صباحٍ بارد من شتاءٍ مبكر، كانت القرية الصغيرة تستيقظ ببطء، متلحفةً بهدوء التلال السوداء التي تحيط...
أزماتنا الاقتصادية والخدمية والحياتية عمومًا ستزيد وتدوم ولن تتوقف ما لم تنته حالة الازدواج في القرار السياسي والإداري ، فهذه الثنائية الشاذة في السلطة خلقت ظروفًا في غاية الصعوبة والتعقيد .
ونتيجة لهذه الحالة وجدت سلطات ومليشيات ووظائف وقوات متعددة الولاءات والقادة ، بل ويمكن القول أن هذه القوات المنضوية شكلا تحت مسمى الشرعية تتصادم مع بعضها البعض فكرة وغاية وأداة وأسلوب .
الحل من وجهة نظري لهذه الأزمات الاقتصادية والخدمية والإدارية والإمنية لا يكون إلا بسلطة واحدة تتحمل المسؤولية كاملة ، فإما أن تكون سلطة شرعية ممثلة بالرئاسة والحكومة ، وأما سلطة الإنتقالي ، وعليه تحمل تبعات افعاله ، وبكل تأكيد ستكون مكلفة للغاية.
لا يجوز أن تكون جزءًا من السلطة الشرعية وفي ذات الوقت فعلك وخطابك وغايتك تتقاطع تمامًا مع فعل وخطاب وغاية هذه الشرعية ، فهذه الوضعية المختلة تسببت بأزمات حياتية يكابدها النَّاس وبلا توقف .
كما وبسببها ضعفت الشرعية وتفككت مكوناتها ، وبالمقابل تقوت شوكة الجماعة الحوثية ، وزادت من سطوتها أو فعلها الذي تجاوز قدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية .
أضحت الجماعة الحوثية طرفًا قويًا ومؤثرًا لا مناص من التسليم بها كقوة مسيطرة وموجودة ، وما كان لها بلوغ هذه المكانة السياسية والتفاوضية لولا تعدد السلطات والقادة في جبهة الشرعية .
أثبتت الأعوام التسعة المنصرمة أنه لا الإنتقالي فرض أجندته وخياراته السياسية رغم سيطرته واستحكامه على هذه المحافظات ، أو أن الشرعية قادرة على تجسيد سلطتها الفعلية في مساحة يستحكم بها الإنتقالي الجنوبي .
الشرعية ضعيفة وغير قادرة على إدارة العاصمة المؤقتة عدن وجوارها من المحافظات المحررة ، وهذا الضعف سببه أنها تمثل الدولة اليمنية - بما فيها المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين - ، ولا تمتلك القوة والنفوذ اللذين يجعلها مسيطرة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا .
والحال ينطبق على الإنتقالي الذي لا يستطيع ترجمة فعله في عدن أو سواها ، فبقدر ما يسيطر عسكريًا وأمنيًا ، بذات القدر هو ضعيف سياسيًا ، إذ هناك موانع وتعقيدات يصعب تجاوزها أو القفز عليها .
فمسألة أن تكون عدن عاصمة للدولة الجنوبية ، يستلزمها إرادة سياسية قوية ، مسنودة إقليميًا ودوليًا ، فلا يكفي هنا أن تكون الرغبة متوافرة ، فالمهم ليس السيطرة أو القرار فحسب ، وانما توافر الشروط الموضوعية والذاتية ، والاستعداد التام لمواجهة الداخل والخارج .
الخلاصة الإنتقالي قوته في سيطرته العسكرية ، لكنه ضعيف سياسيًا واقتصاديًا وإداريًا ، وسبق له أن خاض غمار تجربة منفصلة حين أعلن الإدارة الذاتية .
الشرعية قوية سياسيًا باعتبارها حاملة راية اليمن ودولته المعترف بها عربيًا وإقليميًا ودوليًا ، لكنها لا تسيطر عسكريًا وإداريًا على عدن وجوارها بسبب افرازات الحرب وما قبلها من مسببات عدة يطول شرحها .
شخصيًا ، كنت قد تناولت الحالة الشاذة في موضوعات مختلفة خلال الأعوام المنصرمة . دعوت إلى سلطة واحدة غايتها استعادة الدولة اليمنية ، أكدت مرارًا أنه لا متسع لخنجرين في غمد واحد .
فعلى فرضية أن قادة الإنتقالي متمسكون بغاية استعادة الدولة الجنوبية ، فهل من الحكمة الإصرار على تحقيق هذه الغاية في واقع تغيب فيه الدولة وتحضره الفوضى والأزمات والحرب ؟ .
الحقيقة مُرَّة ، ومع مرارتها ينبغي التعاطي معها بشجاعة وجرأة بدلًا من رفضها أو مواصلة إنكارها ، وعليه فقادة الإنتقالي منوط بهم مراجعة حسابهم ، خاصة بعد معرفتهم لتلك الموانع السياسية التي أجبرتهم كي يتخلوا عن فكرة الانسلاخ من الشرعية وحلفائها .
جرَّبوا وطرقوا ابوابًا ، عثروا على أذن صاغية ، لكنهم لم يفلحوا بانتزاع شيئًا ذا قيمة أو أهمية ، فكل ما قيل لهم مجرد وعود وتفهمات لا ترقى لمصاف الإلتزام السياسي ، فلا توجد دولة تدعم خيار تجزأة اليمن وفي ظرفية كهذه .
أغلب المساعي منشغلة بوقف الحرب وإحلال السلام ولدواعي إنسانية بحتة ، وإذا ما نوقشت مسائل أخرى ، فلا تزيد عن تطمينات ورغبات شخصية غير رسمية ، وفي الغرف المغلقة .
عدا ذلك ، الانشغال محوره في ماهية اليمن ما بعد الحرب وأين موضع الشرعية بقواها المتناثرة والمتنافرة ؟ واين موضع الجماعة الحوثية ؟ وكيف سيكون مآل الطرفين في خارطة الدولة اليمنية المستقبلية ؟ .