سلطة واحدة فإما شرعية أو انتقالي ! 

أزماتنا الاقتصادية والخدمية والحياتية عمومًا ستزيد وتدوم ولن تتوقف ما لم تنته حالة الازدواج في القرار السياسي والإداري ، فهذه الثنائية الشاذة في السلطة خلقت ظروفًا في غاية الصعوبة والتعقيد .

ونتيجة لهذه الحالة وجدت سلطات ومليشيات ووظائف وقوات متعددة الولاءات والقادة ، بل ويمكن القول أن هذه القوات المنضوية شكلا تحت مسمى الشرعية تتصادم مع بعضها البعض فكرة وغاية وأداة وأسلوب .

 

الحل من وجهة نظري لهذه الأزمات الاقتصادية والخدمية والإدارية والإمنية لا يكون إلا بسلطة واحدة تتحمل المسؤولية كاملة ، فإما أن تكون سلطة شرعية ممثلة بالرئاسة والحكومة ، وأما سلطة الإنتقالي ، وعليه تحمل تبعات افعاله ، وبكل تأكيد ستكون مكلفة للغاية.

 

لا يجوز أن تكون جزءًا من السلطة الشرعية وفي ذات الوقت فعلك وخطابك وغايتك تتقاطع تمامًا مع فعل وخطاب وغاية هذه الشرعية ، فهذه الوضعية المختلة تسببت بأزمات حياتية يكابدها النَّاس وبلا توقف .

 

كما وبسببها ضعفت الشرعية وتفككت مكوناتها ، وبالمقابل تقوت شوكة الجماعة الحوثية ، وزادت من سطوتها أو فعلها الذي تجاوز قدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية .

أضحت الجماعة الحوثية طرفًا قويًا ومؤثرًا لا مناص من التسليم بها كقوة مسيطرة وموجودة ، وما كان لها بلوغ هذه المكانة السياسية والتفاوضية لولا تعدد السلطات والقادة في جبهة الشرعية . 

أثبتت الأعوام التسعة المنصرمة أنه لا الإنتقالي فرض أجندته وخياراته السياسية رغم سيطرته واستحكامه على هذه المحافظات ، أو أن الشرعية قادرة على تجسيد سلطتها الفعلية في مساحة يستحكم بها الإنتقالي الجنوبي .

 

الشرعية ضعيفة وغير قادرة على إدارة العاصمة المؤقتة عدن وجوارها من المحافظات المحررة ، وهذا الضعف سببه أنها تمثل الدولة اليمنية - بما فيها المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين - ، ولا تمتلك القوة والنفوذ اللذين يجعلها مسيطرة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا .

 

والحال ينطبق على الإنتقالي الذي لا يستطيع ترجمة فعله في عدن أو سواها ، فبقدر ما يسيطر عسكريًا وأمنيًا ، بذات القدر هو ضعيف سياسيًا ، إذ هناك موانع وتعقيدات يصعب تجاوزها أو القفز عليها .

 

فمسألة أن تكون عدن عاصمة للدولة الجنوبية ، يستلزمها إرادة سياسية قوية ، مسنودة إقليميًا ودوليًا ، فلا يكفي هنا أن تكون الرغبة متوافرة ، فالمهم ليس السيطرة أو القرار فحسب ، وانما توافر الشروط الموضوعية والذاتية ، والاستعداد التام لمواجهة الداخل والخارج .

 

الخلاصة الإنتقالي قوته في سيطرته العسكرية ، لكنه ضعيف سياسيًا واقتصاديًا وإداريًا ، وسبق له أن خاض غمار تجربة منفصلة حين أعلن الإدارة الذاتية . 

 

الشرعية قوية سياسيًا باعتبارها حاملة راية اليمن ودولته المعترف بها عربيًا وإقليميًا ودوليًا ، لكنها لا تسيطر عسكريًا وإداريًا على عدن وجوارها بسبب افرازات الحرب وما قبلها من مسببات عدة يطول شرحها .

 

شخصيًا ، كنت قد تناولت الحالة الشاذة في موضوعات مختلفة خلال الأعوام المنصرمة . دعوت إلى سلطة واحدة غايتها استعادة الدولة اليمنية ، أكدت مرارًا أنه لا متسع لخنجرين في غمد واحد .

 

فعلى فرضية أن قادة الإنتقالي متمسكون بغاية استعادة الدولة الجنوبية ، فهل من الحكمة الإصرار على تحقيق هذه الغاية في واقع تغيب فيه الدولة وتحضره الفوضى والأزمات والحرب ؟ . 

 

الحقيقة مُرَّة ، ومع مرارتها ينبغي التعاطي معها بشجاعة وجرأة بدلًا من رفضها أو مواصلة إنكارها ، وعليه فقادة الإنتقالي منوط بهم مراجعة حسابهم ، خاصة بعد معرفتهم لتلك الموانع السياسية التي أجبرتهم كي يتخلوا عن فكرة الانسلاخ من الشرعية وحلفائها .

 

جرَّبوا وطرقوا ابوابًا ، عثروا على أذن صاغية ، لكنهم لم يفلحوا بانتزاع شيئًا ذا قيمة أو أهمية ، فكل ما قيل لهم مجرد وعود وتفهمات لا ترقى لمصاف الإلتزام السياسي ، فلا توجد دولة تدعم خيار تجزأة اليمن وفي ظرفية كهذه .

أغلب المساعي منشغلة بوقف الحرب وإحلال السلام ولدواعي إنسانية بحتة ، وإذا ما نوقشت مسائل أخرى ، فلا تزيد عن تطمينات ورغبات شخصية غير رسمية ، وفي الغرف المغلقة .

عدا ذلك ، الانشغال محوره في ماهية اليمن ما بعد الحرب وأين موضع الشرعية بقواها المتناثرة والمتنافرة ؟ واين موضع الجماعة الحوثية ؟ وكيف سيكون مآل الطرفين في خارطة الدولة اليمنية المستقبلية ؟ .

مقالات الكاتب